لعلكم أجمعين تدركون وتعلمون ما يحدث في بلادنا وفى مجتمعاتنا الآن من فرقة وشتات ومن أمورٍ جعلت أعقل الناس في هذا الزمان حيران يقول في نفسه ولمن حوله: أين الأمان؟ وما العيشة المرضية التي وعدنا بها الرحمن؟ ومتى وقتها؟ وكيف تتحقق في هذا الزمان؟
والكل يمشى أو يجلس أو يبيت مشغول البال بنفسه وبأهله وبطلباته وبحاجاته وبإخوانه المسلمين أجمعين والبعض يظن أنه لا مخرج من ذلك إلا بالتظاهرات وإلا بما نراه من فوضى سائرة ومتحركة في كل الجهات حتى أصبح دولاب العمل على وشك الوقوع ما المخرج من ذلك؟
المخرج في قول الله {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} الأحزاب21
أنتم تعلمون أن هذا النبي اختاره الله نبيّاً للختام وجعله خاتم النبيين وخاتم المرسلين ولذلك أعطاه الله بصيرة نورانية وشاشة شفافة إلهية قلبية جعلته يتطلع على جميع الأحوال التي ستحدث لأمته إلى يوم الدين لأنه الطبيب الأوحد الذي عيَّنه الله لعلاج المسلمين منذ زمنه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها
فرأى ببصيرته النورانية كل الأدواء والأسقام والآلام والأوجاع التي ستحدث لهذه الأمة وبينَّها بياناً شافياً بيان حاضرٍ يراه بعيني رأسه ثم ذكر بعد ذلك لكل علَّة دواءها ولكل معضلة شفاءها ولكل همٍ ما به يُفرجه مفرّج الكروب عز وجل وفى ذلك يقول لنا الله مُذكّراً {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً} الإسراء82
بيان القرآن فيه الشفاء لكل ما حدث أو يحدث لنا أو بيننا ولمن قبلنا ولمن بعدنا والذي يُبينه هو الذي لا ينطق عن الهوى وهو إمام الرسل والأنبياء صلي الله عليه وسلم
جمع العلماء سُنَّة النبي صلي الله عليه وسلم وأحاديثه ولكنهم خلطوا هذه الأنباء على بعضها في بابٍ سموه باب الملاحم وكان أولى بهم أن يُصنفوه بحسب الأزمنة لأنه صلي الله عليه وسلم جعل لكل زمان أحاديثه التي تكشف عن الأدواء والأسقام التي تحدث فيه والتي تبين الروشتة النبوية القرآنية الإلهية التي إذا عمل أهل الزمن بها تمَّ لهم الشفاء واستُئصل الداء وعاشوا إخوة أودَّاء أحباء يطبقون قول الله في هذه الأمة {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} الحجرات10
وأمرنا الله بأن نطيعه في ذلك وحذّرنا من مخالفته في أي أمرٍ من هذه الأمور أو غيرها مما وجهّنا الله إليه ووعدنا إن أطعناه بالهُدى واليقين فقال {وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} النور54
حذَّر من المخالفة بما نراه أو ظهر بيننا الآن فقال عزّ شأنه {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} النور63
بم وصف النبي صلي الله عليه وسلم زماننا؟ وبم شخّص الداء الذي فرَّق جمعنا وشتَّت شملنا وجعل المشاكل الجمَّة التي تحث وزادت عن الحد في مجتمعنا؟ اسمعوا إلى تشخيص الحبيب واسمعوا إلى الروشتة النورانية التي كتبها لشفائنا من كل ما نراه سيدنا وإمامنا رسول الله صلي الله عليه وسلم قال صلي الله عليه وسلم {دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمُ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ أَلا إِنَّ الْبَغْضَاءَ هِيَ الْحَالِقَةُ لا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعْرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ }[1]
هذا تشخيص سيد الأولين والآخرين لما نحن فيه الآن: الحسد والبغضاء والحسد هو تمنّي زوال نعمة الغير وهذا لا ينبغي أن يكون عند مسلم ولا ينبغي أن يمُر حتى خاطراً في قلب مؤمن فالمؤمن لكي يتم إيمانه ينبغي أن يكون كما قال صلي الله عليه وسلم في ميزان من موازين الإيمان {لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ}[2]
إذا اختل هذا الميزان فيحتاج صاحبه إلى مراجعة إيمانه لأن مقتضى سلامة الإيمان والتُقى في قلبه برهان هذا البرهان أن يُحب الخير لإخوانه المؤمنين أجمعين في أي مجال وفى أي نعمة وفى أي زمان وفى أي مكان
[1] سنن الترمذي والبيهقي ومسند الإمام أحمد عن الزبير بن العوام رضي الله عنه