الاكتئاب التفاعلي داء المجتمعات العربية

الاكتئاب حالة نفسية دارجة ومعروفة في عصرنا هذا على الخصوص، غالبًا ما تكون نتيجة عدة عوامل اجتماعية محيطة وقد تبدأ بالشعور بالإحباط أو الفشل أو الحزن لأمر ما، وأحيانا لا نستطيع التعرف على بدايتها إذ إنها تبدو في شكل أعراض قد تصيب أيًّا كان مثل صداع الرأس، آلام الظهر، آلام الأمعاء، وحينما لا يكون هناك أي سبب عضوي لمثل هذه الأعراض فيكون ذلك عبارة عن ناقوس خطر يهدد الجهاز النفسي للإنسان، وقد تكون إشارات التعرض للاكتئاب والذي إذا لم يعالج ولم تتغير ظروف حدوثه قد يتحول لمشكلة كبرى- أي إلى اكتئاب مرضي. الاكتئاب مرض بدأ يجتاح مجتمعاتنا ومن المتوقع حسب دراسة علمية أجراها المرصد الصحي بفرنسا في المعهد الوطني للوقاية والتربية الصحية Inpes أن يصبح هذا المرض رقم اثنين في الأمراض الأكثر تعجيزًا سنة 2020.

لعل عوامل الحياة العصرية أو ما نسميه الآن بعصر السرعة والتكنولوجيا، كلها تؤثر في الإنسان فتجعله مهددًا ومعرضًا للوقوع في حالات اكتئاب، وليس هناك من لم يمر بحالة اكتئاب ولو بسيطة ولأكثر من مرة في عصرنا الراهن.

إن الجهاز النفسي يملك وسائل دفاعية يدافع بها عن نفسه ولكن حينما تجتمع عوامل محيطة أكبر مما يمكن استيعابها وتشتد الأزمات والمؤثرات الخارجية فإن هذه الوسائل الدفاعية تفشل في التفاعل معها، وبالتالي يتأرجح الإنسان بين إحباط قد يتجاوزه وبين دخوله في حالة اكتئاب تفاعلي، وهنا أيضا يختلف الأمر من شخص إلى آخر..

هذا الاكتئاب التفاعلي قد يكون نتيجة ضغوط نفسية واجتماعية وعاطفية أو مادية، وغالبًا ما يكون نتيجة ضغط نفسي قد يبدو لنا صغيرًا وغير مؤذٍ، ولكنه يكون سبب دخول الشخص في اكتئاب تفاعلي، لكون هذا الضغط أصبح مستمرًّا وامتد لوقت طويل ولم يخرج منه هذا الشخص بنتيجة، ويمكن أن يكون هناك ضغط قوي ولكنه عارض ويسبب حالة إحباط واكتئاب مرحلية تنتهي بانتهاء الظرف المحيط...

عمومًا فإن الاكتئاب التفاعلي يكون عبارة عن ردة فعل نفسي لحدث معين، وقد يكون أول مراحل الاكتئاب المرضي إذا لم يعالج، وأهم أسبابه الفشل في الزواج والانفصال والمشاكل الأسرية، والمشاكل في العمل من فقدان وظيفة أو ضغوط كثيرة، أو وفاة شخص مقرب...

وإن كان هناك أسباب قد تبدو مشتركة بين كل المجتمعات إلا أن الإحصائيات تقول إن الاكتئاب التفاعلي أكبر بكثير في المجتمعات العربية، ويعزى ذلك لأسباب عدة، أولها البطالة والشعور بعدم القدرة على تحقيق الذات، فقدان وظيفة أو عدم الاكتفاء ماديًّا ومعنويًّا بما تدره من ربح والإحساس بالتقليل من شأن الشخص ودوره، وأيضا ارتفاع نسبة الطلاق والانفصال في مجتمعاتنا العربية بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، ناهيك عن المشاكل الأسرية والخلافات التي للأسف لا ترقى لتعاليم ديننا الحنيف في شيء.

كما يقول بعض أخصائيو الطب النفسي أن المجتمعات العربية تكون أكثر عرضة للاكتئاب عمومًا لكونها بنظرهم مصابة بنوع من الرهاب الاجتماعي، بحيث إن هذا الاضطراب يكون سببه التربية والتنشئة غير السليمة، إذ يربى الطفل على الصمت والخوف وعدم المشاركة في قرار أو حوار، بل إن هناك من يستعمل الدين كوسيلة للترهيب عوض الترغيب، فيكبر الطفل وهو يعاني من هذا النوع من الرهاب، وينتج عن ذلك أن العديد من الأشخاص لا يتأقلمون مع المجتمع بسهولة، والرهاب الاجتماعي هو مرض عصابي مثله مثل الخوف والوسواس القهري، وكلها أمراض تؤدي إلى الاكتئاب بجميع أنواعه.

ويقول بعض المحللين أيضا إن الحالة الاقتصادية والاجتماعية الهشة لغالبية المجتمعات العربية هي سبب رئيسي في الشعور بحالات الاكتئاب التفاعلية خاصة مع زيادة نسبة التوتر والقلق من المستقبل ومن الحياة ككل لدى الأشخاص.. فلدى النساء، تشكل مشكلة العنوسة ونظرة المجتمع للمرأة العربية غير المتزوجة سببًا رئيسيًّا في شعورها بالإحباط والاكتئاب، إذ إن ذلك يكون نتيجة رد فعل لما يسقطه عليها المجتمع كمعاملة سواء بشكل مباشر أو بالتلميح... هذا الأمر يختلف في البلدان الأوروبية، فالعنوسة قد تعتبر أمرًا غير محبذ ولكنها لا تصل حد المعاناة أو تتعرض المرأة للسؤال عن سببها أو يتصرف معها حسب وضعيتها الاجتماعية، بل إنها تعوض عن وحدتها بالعمل والدراسة، وتعد بالنسبة لها مرحلة مثل غيرها، وهو ما يجعل المرأة التي لم تتزوج في البلدان العربية وتعدت متوسط سن الزواج تكون أكثر عرضة للاكتئاب التفاعلي من النساء في أوروبا مثلا.

كما أن جل المواطنين في الدول العربية، يركزون أكثر على كسب قوتهم ورزق عائلاتهم، فإما لا يبالون بالترفيه وممارسة الرياضة وإما لا يستطيعون لذلك سبيلا بسبب قصر ذات اليد، بينما في الدول الأخرى لا تعد الرياضة وسيلة ترفيهية فقط، وإنما تكون حافزا للسيطرة على المشاعر السلبية وعلى معدل التوتر والتخلص من مخلفات الأرق والإعياء في العمل، فيصبح الإنسان أكثر إقبالًا على الحياة وأكثر نشاطًا لأداء وظيفته المهنية والاجتماعية عمومًا، بينما المواطن العربي في جل بلداننا والذي يكتفي بالعمل فقط، لا يجد متنفسًا لحالته النفسية، فيصبح بمنزلة قارورة تملأ ويحكم إقفالها، فتغدو مهددة بالانفجار في أي وقت.

من بين الأسباب أيضا التي جعلت المواطن العربي الآن أكثر عرضة لهذا النوع من الاكتئاب، تفاعله مع ما يجري حاليًّا من أحداث وثورات في العالم العربي، بحيث بات الوطن العربي مسرحًا مهولًا للقتل والمجازر والتظاهرات وهي الأشياء التي لا تؤثر فقط على من يعيشها بشكل مباشر وإنما أيضًا على من يتلقاها من خلال القنوات التلفزيونية وبشكل مستمر، بحيث يدخل فيما نسميه اضطرابات الصدمات، وهو الأمر الذي يؤدي أيضا لزيادة الخوف من المستقبل وارتفاع الوساوس نتيجة عدم الشعور بالأمان وبالتالي إلى ظهور عوارض الاكتئاب.

وختاما، نبرز بعض أعراض الاكتئاب التفاعلي والتي على الشخص إن أحس بها بدون سبب فسيولوجي أن ينتبه إلى أنه قد يكون اكتئابًا تفاعليًّا لشيء يحيط به وعليه أن يتدارك الأمر ومن معه لمساعدته على تجاوز سبب ما يحصل معه.

هذه الأعراض، هي الأرق وعدم القدرة على النوم، أو بالعكس صعوبة الاستيقاظ من النوم والإحساس بالرغبة في عدم مغادرة الفراش، سرعة رد الفعل والعصبية، الإحساس بالتعب والوهن وصداع الرأس وفقدان التركيز وأيضا الإحساس بآلام في المفاصل وخاصة الظهر، وانتفاخ الأمعاء والإمساك المزمن حتى مع نظام غذائي جيد وكذلك الشعور بالحزن والإحباط.